اشتعل فتيل الحرب العالمية الأولى في أوروبا ليحرق كل العالم بعده، في حربٍ كانت من أشد الصراعات التاريخية فتكاً حيث دامت لأربع سنوات موديةً بحياة تسعة ملايين إنسان، وغيرت مجرى وملامح العالم سياسياً واقتصادياً وحتى جغرافيا.
الأسباب:
كان السبب الرئيسي في نُشُوب الحرب العالمية الأولى هو اغتيال ولي عهد النمسا فرديناند على يد طالبٍ صربي في الـ 28 من يونيو سنة 1914 مـ أثناء زيارته لسراييفو، إلا أنه من غير المنطقي أن يكون هذا هو السبب الوحيد لإندلاع حربٍ عالمية أسقطت دولاً، حيث يؤكد العديد من الخبراء أن هناك العديد من الأسباب الخفية وأن الحرب كانت ستندلع على أي حال لكن الأمر فقط كان يحتاج لسبب ولو بسيط.
من الأسباب الخفية للحرب العالمية الأولى أيضاً هي تدهور العلاقات بين العديد من الدول وظهور أزمات عديدة خصوصاً صراع فرنسا وألمانيا على الحدود، بالإضافة إلى أزمة البلقان وتطلُع عِدة أقليات إلى الإنفصال عن العديد من الدول الأوروبية والإستقلال عنها.
كما كان السباق لنيل مكانة اقتصادية قوية من أهم الأسباب التي درات حولها الحرب، حيث سَعَتْ الدول إلى تقوية نفوذها الإقتصادي وإيجاد أسواق استهلاكية جديدة من أجل تسويق فائضها من الإنتاج، بالإضافة إلى السعي من أجل بسط السيطرة على مناطق تتوفر على الموارد الطبيعية بكثرة وجعلها مُستعمرات لها والسباق إلى التسلح عسكرياً.
بداية الحرب:
بعد شهرٍ من اغتيال ولي العهد النمساوي على يد الطالب الصربي أعلنت النمسا الحرب على صربيا، بدأت بذلك تتشكل التحالفات والتكتلات والدول التي ستشارك في هذه الحرب، حيث انضمت روسيا إلى صربيا وهو الأمر الذي لم يعجب ألمانيا فقامت بإعلان الحرب بدورها على روسيا.
وكانت التحالفات في الحرب العالمية الأولى تتكون من دول الحلفاء أو الوفاق الثلاثي بقيادة المملكة المُتحدة ضد دول المركز بزعامة المانيا، وتوسعت رقعة التحالفات بدخول دُولٍ جديد على الخط بتوسع رقعة الحرب.
استمرت الحرب العالمية الأولى لاربع سنوات حيث انتقلت من كونها حرباً أوروبية إلى حربٍ عالمية مُدمرة، استُعملت فيها أسلحة جديدة وتميزت هذه الحرب بالخنادق حيث أن كل جيش دأب على حفر الخنادق وتحصينها والإحتماء فيها، واستطاعت دول المركز التفوق على الحلفاء في بداية الأمر وتمكنت ألمانيا من احتلال بولندا ولتوانيا، كما استطاع الألمان أسر أكثر من 300 ألف جندي روسي وتمنكوا من بسط سيطرتهم على منطقة البلقان.
في سنة 1916 مـ اصطدم الألمان بالفرنسيين في معركتي السوم وفردان حيث ظهرت الدبابات لأول مرة في الحرب، واستطاع الفرنسيون التفوق على الألمان في ميدان القتال وتكبدت ألمانيا خسائر كبيرة في جيشها.
دخول الولايات المتحدة الأمريكية للحرب:
في بداية الحرب كانت الولايات المتحدة الأمريكية تتخذ مبدأ الحياد وعدم السماح للدول الأوروبية بالتدخل في شؤونها، لكنها كانت المُستفيد الإقتصادي الأكبر حيث كانت تبيع الأسلحة لأطراف الحرب وحققت مكاسب اقتصادية كبيرة، إلى أن رأى القادة الأمريكيون أن مصلحتهم في دخول الحرب وأن يكونوا طرفاً فيها.
إستفاد الألمان من نُشُوب الثورة البلشفية التي أطاحت بالحكم القيصري سنة 1917 مـ، وقام البلاشفة بتوقيع اتفاقية ليتوفسك سنة 1918 مـ خرجت بموجبها روسيا من الحرب، لتُركز بعدها ألمانيا على القتال ضد الجبهة البريطانية الفرنسية واستطاعت بالفعل تدمير العديد من القوات البريطانية.
استفاد الحلفاء من الإمدادت التي قدمتها لهم الولايات المُتحدة الامريكية واستطاعوا من خلالها تحقيق مكاسب كبيرة على أرض المعركة، كما قامت الولايات المتحدة بإرسال سفينة حربية لتنضم إلى أسطول المدمرة البريطانية غراند من أجل حراسة خط الإمدادت البحري، كما أرسلت أفواج من مُشاةْ البحرية إلى فرنسا.
طلبت ألمانيا الهدنة مع دول الحلفاء خصوصاً بعد معركة أميان التي وقعت في الـ 8 من أغسطس 1918 مـ، حيث استعملت دول الحلفاء 400 دبابة و 120 ألف جندي من الدومينون بالإضافة إلى العديد من القوات الفرنسية والبريطانية والأمريكية التي تعاونت على اختراق خط هيندينبيرغ بحلول شهر سبتمبر.
أجبرت دول الحلفاء ألمانيا على التراجع من فرنسا في اتجاه الحدود البلجيكية، حيث تقهقرت قوات دول المركز وكانت بلغاريا أول المُوقعين على الهدنة في الـ 29 من سبتمبر سنة 1918مـ، ودخل وقف إطلاق النار حيز التنفيذ بتوقيع ألمانيا على اتفاقية هدنة كومبين في الـ 11 من نوفمبر سنة 1918مـ.
خسائر الحرب العالمية الاولى:
أدت الحرب العالمية الاولى إلى سقوط قُرابة الـ 9 ملايين قتيل بالإضافة إلى ملايين الجرحى والمفقودين، ضِف على ذلك الخسائر الإقتصادية التي أدت إلى انتشار الفقر والبطالة، كما تراجعت قوة أوروبا الإقتصادية بسسب تراكم الديون على الدول الناتجة عن نفقات الحرب الباهظة.
غيرت الحرب العالمية الأولى ملامح العالم جغرافياً، حيث سقطت الأنظمة الإمبراطورية القديمة وتفككت العائلات الحاكمة، وظهرت دويلات جديدة على الخريطة الأوروبية والعالمية.
نتائج الحرب العالمية الأولى على المسلمين:
كانت الدولة العثمانية في صف دول المركز بقيادة ألمانيا في الحرب، وبخسارة دول المركز أمام الحلفاء انهارت الدولة العثمانية وأصبح الشرق الأوسط كعكة بين سكين وشوكة بريطانيا وفرنسا.
ولعل أكبر ضربة للدولة العثمانية قبل سقوطها بقليل كانت بانضمام الشريف الحسين والي مكة إلى بريطانيا سنة 1916 مـ وتمرده على العثمانيين، حيث وعدته بريطانيا بتوليه حكم دولة عربية كبيرة فيما عُرف بالثورة العربية بمساعدة أكبر جاسوس بريطاني في الشرق الأوسط المشهور بـ لورنس العرب.
على الرغم من وعودها له إلا أن بريطانيا لم تعترف بالشريف الحسين على أنه ملك العرب، واتفقت سِرياً مع فرنسا على اقتسام أراضي الدولة العثمانية فيما بينها في اتفاقية سايكس بيكو الشهيرة سنة 1916 مـ حيث تم إخضاع الدول العربية للإحتلال تحت مُسمى الإنتداب.
المصادر:
- الحرب العالمية الأولى، لـ جون كيجان.
- لورانس في أرض العرب: الحرب، الخداع، الحماقة الإمبراطورية، وتأسيس الشرق الأوسط الحديث، لـ سكوت أندرسون.
تعليقات
إرسال تعليق